محمود مرسي تزوج فنانة كبيرة وكتب نعيه بنفسه وإستقال من الإذاعة البريطانية علي الهواء بسبب العدوان الثلاثي


يمكن مش هتصدق لما أقولك إن الوحش اللي بتشوفه قدام الكاميرا، واللي بيخوفك بصدق أداؤه، هو في الحقيقة إنسان هادي وصامت وبيخاف من الخروج من البيت، وانه أحيانًا بيقعد  بالشهور ميخرجش، وكل وقته بيقضيه في القراية أو لعب الطاولة، لأنه كمان ما بيتكلمش، أو قليل الكلام.

يمكن تكون تربيته جوة مدرسة داخلية أثرت عليه، وخلقت منه الشخص ده، الشخص اللي بيتحول قدام الكاميرا، ويبقى أي شخصية في الدنيا غيره، الشخص اللي بتستغرب من قدراته وسلاسة أداؤه، واللي استاهل لقب فيلسوف السينما، الشهير بمحمود مرسي..

تكوين شخصية الفنان محمود مرسي تكوين معقد شويتين، لإنه اتربي في ظروف قاسية، إتربى جوة مدرسة داخلية في اسكندرية، وهيا المدرسة الإيطالية، وكان صعب يسيبها غير في أجازة العيد الصغير والعيد الكبير، ومتستغربش لما أقولك إنه برغم كونه وحيد جوة مدرسة داخلية بعيد عن الأسرة؛  إللا إنه كان ليه  9اخوات، 6 من والده وكلهم ذكور، و3 من والدته.

ومش هقولك إنه كان يتيم، بالعكس كان والده محامي مشهور جدًا في اسكندرية، مشهور كرجل قانون، ومشهور كرجل مثقف ليه صالون ثقافي  إسبوعي بيجمع فيه كريمة المجتمع،  ده غير إنه كان رجل سياسي وعضو مجلس شيوخ.

والحقيقة إن وجود محمود مرسي في مدرسة داخلية بعيد عن حضن عيلته وزحمة إخواته كان ليه قصة؛ وهيا إن الوالد أعجب بسيدة كان ليها قضية عنده في المكتب واتجوزها؛ في حين إنه متزوج وعنده أولاد، لكن بعدها الزوجة الأولى عرفت فما كان منها إللا إنها طلبت منه تطليق والدة محمود ، وده اللي حصل.

بعد الطلاق إتجوزت الأم تاني، وخلفت 3 أولاد، وحصل نزاع بين الأم والأب على حضانة محمود؛ لكن في النهاية إستقروا إنهم يدخلوه المدرسة الداخلية، ولا يبقى مع الأم، ولا يبقى مع الأب.

طبعًا شخص في وضع الطفل محمود كان ضروري هيتأثر نفسيًا نتيجة مشكلاته العائلية إللي ملوش ذنب فيها،  ونتيجة العنصرية اللي بيعاملوه بيها أستذته في المدرسة الإيطالية، فكان دايمًا ساكت في المدرسة، ومكنش عنده أصدقاء غير الكتب، لحد ما أخد قراره إنه يسيب المدرسة ويكمل تعليمه من البيت.

وفعلًا أخد شهادة البكالوريا منازل، ومع ذلك طلع الأول على الجمهورية، ودخل كلية الآداب جامعة إسكندرية قسم الفلسفة..

وزي ما كان محمود مرسي في المدرسة قليل التعامل مع الأصدقاء؛ كان كده في الجامعة،  لحد ما قرر الإشترك  في مسرح الجامعة، وكانت دي أهم خطوة عملها في حياته، وأثبت من خلالها مهاراته الكبيرة،  وقدرته غير المحدودة على الإبداع.

قدم محمود مرسي من خلال مسرح الجامعة مسرحية عقدة أوديب، واللي أبهر فيها كل اللي يشوفه، وأثبت قدراته الكبيرة في التقمص والتمثيل، وكإنه لقى أخيرًا نفسه.

الغريب إن نجاحه على المسرح خلاه غول قراية؛ وغول بحث، هو طول الوقت بيدور على عوامل تمكنه من اللعبة دي أكتر، بيدور على أسرارها ومفاتيحها، لحد ما اتخرج من الجامعة واشتغل مدرس، وهو كل عقله وتفكيره في النجاح في لعبة التمثيل وتقمص الشخصيات على المسرح.

لحد ما  قررفي يوم  دراسة الإخراج السينمائي، وسافر فرنسا، علشان يدرس فن الإخراج على أصوله هناك.

وبعد 5 سنين في فرنسا انطرد محمود مرسي مع عدد من المصريين، وقرار الطرد جه رد على قرارات عبد الناصر بتاميم قناة السويس وطرد الفرنسيين منها.

بعد طرده من فرنسا سافر لانجلترا، وهناك اشتغل في هيئة الإذاعة البريطانية، وابتدا ياخد وضعه كمذيع  بيتكلم أربع لغات، وابتدا يتعرف كمذيع من أنجح المذيعين العرب في هيئة الإذاعة البريطانية.

وفي سنة  56 حصل العدوان الثلاثي على مصر،  ولأن الشدة بتكشف عن معادن الناس استقال محمود مرسي رغم نجاحه في الإذاعة البريطانية، وسبب الاستقالة كان رفض العمل مع الدولة المشاركة في العدوان الثلاثي على بلده..

وبعد انتهاء العدوان الثلاثي، وبعد استقرار الأوضاع في مصر اتعين محمود مرسي مدرس في معهد التمثيل، ده بخلاف شغله كمخرج ومذيع في البرنامج الثقافي في الإذاعة، وشغله كمذيع على القناة التانية المصرية، واللي قدم فيها برامج فنية وثقافية عالية المستوى، ومن أشهرها برنامج شخصيات مصرية..

ورغم نجاح البرنامج في الأوساط الثقافية، إللا إن شخصية محمود مرسي كانت السبب في إنه ميكملش النجاح ده، لأنه كشخص صامت مبييحبش يتكلم كان بيخاف يقاطع الشخصيات اللي بيستضيفها.

وكان دايمًا شايف إن كلامهم أهم من كلامه، ده غير إن شخصيته الجادة كانت بتدي إنطباع إنه تقيل الدم، واحتمال يكون هو الوحيد اللي كان شايف كده، وده اللي خلاه يسيب المجال ده ويدور على مجال تاني يلاقي فيه نفسه.

وهنا دخل مرحلة جديدة من حياته، وابتدا في إخراج التمثيليات التلفزيونية، ومن الإخراج للتمثيل، لأنه بعد سنتين وافق على تمثيل فيلم مع نيازي مصطفي إسمه أنا الهارب.

والحقيقة وبرغم إنه قرر يمثل متأخر، لأن عمره كان عدى الأربعين سنة وقتها، إللا إن الفيلم ده حقق نجاح كبير خلاه يختار إنه يكمل في التمثيل.

وقبل ما نتكلم عن أعماله الفنية لازم نقول إن محمود مرسي قد يكون صاحب أقوى موهبة في تاريخ السينما المصرية، ومن الممثلين القليلين اللي قدروا ينقلوا كل انفعالات الشخصية اللي بيقدموها من غير ولا كلمة، كفاية نظرة، او تعبيرات وشه، او نفخة من سيجارتة، لدرجة ان الفنانة فاتن حمامة وقف سقفتله بعد مشهد من المشاهد، وبعدها سقف كل اللي في الاستديو.

قدم محمود مرسي عدد من الأعمال الفنية مند خلال مشواره اللي بدأ سنة 62، ما بين الإذاعة والتلفزيون والسينما، ويمكن يكون قدم عدد قليل من الأفلام، إللا ان العدد ده من أنجح الأفلام على شاشة السينما، ومن بينهم 7 أفلام ضمن قايمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.

ومن أشهر أفلامه، شيء من الخوف،  أغنية على الممر، السمان والخريف، الليلة الأخيرة، الباب المفتوح، النظارة السوداء، ثمن الحرية، أمير الدهاء، حد السيف، سعد اليتيم، العنب المر والخائنة، طائر الليل الحزين، وغيرهم.

وإذا كان بيقدم الشخصيات الصعبة والقاسية، أو الشريرة على شاشة السينما، فـ في التلفزيون كان بيقدم الشخصيات اللي على العكس من كده، الشخصيات الهادية الرزينة، والطيبة، واللي لازم تكون وراها رسالة سهلة الفهم، وليها إنعكاس على المجتمع.

وأيقونة الفن المصري محمود مرسي ابتدا يشتغل في الدراما التلفزيونية  في أواخر السبعينات، من أهم أعماله في التلفزيون، مسلسل العائلة، ورحلة السيد أبو العلا البشري، الثعلب، بين القصرين، زينب والعرش، عصفور النار، قصر الشوق، والرجل والحصان، وغيرهم.. 

اشتغل كمان الفنان محمود مرسي في عدد كبير من المسلسلات الإذاعية كمان، ومن أشهرها كلمني عن بكرة، الضيف الغريب، صباح الخير يا جاري، أوراق خاصة لطالبة جامعية، أحببت فيك عذابي، قاهر الظلام، وغيرهم..

أنا خدتك في الكلام ونسيت أقولك إن الفنان محمود مرسي إسمه الحقيقي محمود محمد حسين مرسي، إتولد في إسكندرية، في 7 يونيو سنة 1923، واتوفى برضه في اسكندرية في 24 من أبريل سنة 2004، نتيجة سكتة دماغية عن 81 سنة..

اتجوز الفنان محمود مرسي مرة واحدة بس من الفنانة سميحة أيوب، وليه إبن واحد هو دكتور علاء محمود مرسي، وهو فنان واشترك في أكتر من عمل فني، لكن مهنته الأساسية هيا معالج نفسي..

إتوفى الفنان محمود مرسي في 2004 لكنه قبل ما يتوفى كتب نعيه بنفسه، ووصى إن النعي ده يتذاع في الإذاعة، وكتب فيه أعز الناس على قلبه، وأصدقاء عمره، وانه مايتمش الإعلان عن وفاته إللا بعد دفنه؛ علشان متكونش جنازتة جنازة فنية.

أما عن التكريمات؛ فرفض محمود مرسي  الحصول على جايزة الدولة التقديرية ، بصفته ممثل، وقال إن الممثل ملوش قيمة بدون المؤلف والمخرج، وحصل عليها سنة2000 بعد تكريمه عن مجمل أعماله.

لكنه في بداية مشواره الفني حصل على عدد من  الجوايز، منها جايزة التمثيل الأولى سنة 1964 عن فيلم الليلة الأخيرة وحصل على نفس الجائزة سنة 1969، وإتكرم فى مهرجان الفيلم الروائي سنة 1998.

المقال التالي المقال السابق